# لماذا القاتل المتسلسل يقتل؟
السؤال هذا ما هو بسيط أبداً. ورا صيغته البسيطة يختبئ رعب، ومفارقة، وغموض ليه فيه إنسان، من لحم ودم، يعيش بيننا، يقرر يقتل مرة واثنين وثلاث، ويستمر؟
كأنه ما يمل. كأن القتل صار طقس، عادة، أو حتى نوع من العبادة المشوهة.
نتكلم عنه اليوم بشكل اعمق ومفصل
-----
البعض يظن إن القاتل المتسلسل مريض نفسي، بس الحقيقة أعمق من كذا. مهو كل مريض نفسي يصير قاتل، ومهو كل قاتل يقدر الطب يشرح حالته. فيه قتلة، مثل تيد بندي، كانوا مميزين، لبقين، وسامة وثقة وكاريزما. زي تيد كان يدرس قانون، وكانو الناس يثقون فيه، لكنه كان يقتل بعنف بارد، ويخفي جثث ضحاياه بذكاء. السؤال هنا: هل كان واعي؟ طبعاً.
هل ندم؟ أبداً
وكل هذا عشان يحس.
أي إحساس… حتى لو كان خوف الآخرين
-----
فيه شي داخلي ناقص عند هالنوع من الناس. ما هو بس غياب الرحمة، بل غياب الإحساس نفسه.
كأن عقولهم فيها فراغ. ما يتعبّى إلا بالخوف، والدم، والسيطرة. بعضهم يقتل عشان يحس إنه حي. بعضهم يقتل عشان يتحدى الموت نفسه، كأنه يقول:
“أنا أقرر من يعيش ومن يموت، فأنا أقوى من القدر.”
بعض القتلة عاشوا طفولة عنيفة أو مهانة، وبدل ما يهربون منها، صاروا يشبهونها. صاروا نسخة ثانية من الألم اللي تعرّضوا له.
الضحية تتحول لجلاد، بس الجلاد هذا ما يوقف، لأن القتل صار يشبه الإدمان.
أول مرة كانت صعبة، لكن بعدها كل شيء يصير أسهل… أبرد… أخطر.
-----
القتل عندهم مو غاية، بل وسيلة. وسيلة للسيطرة،
للانتقام، للهروب من شعور وهنا يطلع سؤال:
هل القاتل يُولد؟ ولا يُصنع؟
الحقيقة إن الاثنين ممكنين فيه ناس يولدون بعقول ما تعرف معنى التعاطف.
وفيه ناس يتشكّلون مع الوقت، بالصدمات، بالإهمال، بالعنف المتراكم.
لكن دايم، فيه لحظة فاصلة… لحظة ينكسر فيها شيء… وما يرجع يتصلّح.
القاتل المتسلسل ما هو وحش بأسنان ومخالب هو شخص عادي جداً
المجتمع يحب يهرب من الفكرة ويقول: “هذولا مجانين”. بس الواقع؟
هم نتيجة لصمت طويل، لتجاهل، لخلل في التربية، في العاطفة، في فهم الإنسان. فيه أطفال، كبروا ما سمعوا كلمة طيبة، ما أخذوا حضن، ما حسّوا إن فيه أحد يفهمهم فصار كل عالمهم غضب مكبوت، انفجر على شكل جريمة، وجثة، وخبر في الجريدة
لكن القاتل المتسلسل ما ينتهي بس بالقبض أو المحاكمة.
هو ما يجي من فراغ، لكنه يولد فيه فيه شي أعمق من الجريمة…
شي يبدأ من الداخل، وينفجر على شكل موت القاتل، ما يقتل بس لأنه يقدر، يقتل السبب لأنه ما عرف كيف يعيش.
يحاول يسكّت الفراغ اللي يصرخ فيه فراغ ما عبّته حياة، ولا ملامسة، ولا كلمة.
القتل بالنسبة له مو هدف، بل وسيلة يطلع فيها صوت كان ساكت طول عمره.
يحاول يحس. يحاول يوقف الوقت، يحاول يصير أكبر من ضعفه… ولو بثواني.
-----
ومع الوقت، يتحول الشعور بالعجز إلى سُلطة، والألم إلى طقس، والضحية إلى معنى. القتل، عنده، هو اللحظة الوحيدة اللي يحس فيها إنه موجود. مو لأنه قوي، بل لأنه خلّى أحد ثاني أضعف منه.
هو يحتاج شي أكبر: فهم.
مو تعاطف… فهم.
وهنا يجي السؤال الثقيل:
قد كيف لازم يكون الفراغ جوّاك، عشان تصدّق إن الحياة ما تقدر تبدأ… إلا لما تنهي حياة غيرك؟
بقلم : رِناَم